الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
شاعت مقالة التعطيل بعد القرون المفضلة الصحابة والتابعين وتابعيهم وإن كان أصلها قد نبغ في أواخر عصر التابعين. وأول من تكلم بالتعطيل الجعد بن درهم فقال: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا. فقتله خالد بن عبد الله القسري الذي كان واليًا على العراق لهشام بن عبد الملك، خرج به إلى مصلى العيد بوثاقه ثم خطب الناس وقال: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا ثم نزل وذبحه وذلك في عيد الأضحى سنة 119 هـ. وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله في النونية: ولأجل ذا ضحى بجعد خالد ** القسري يوم ذبائح القربان إذ قال: إبراهيم ليس خليله ** كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنة ** لله درك من أخي قربان ثم أخذها عن الجعد رجل يقال له: الجهم بن صفوان وهو الذي ينسب إليه مذهب الجهمية المعطلة، لأنه نشره فقتله سالم بن أحوز صاحب شرطة نصر بن سيار وذلك في مرو سنة 128 هـ. وفي حدود المائة الثانية عُرِّبت الكتب اليونانية والرومانية فازداد الأمر بلاء وشدة. ثم في حدود المائة الثالثة انتشرت مقالة الجهمية بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقتِه الذين أجمع الأئمة على ذمهم وأكثرهم كفروهم أو ضللوهم. وصنف عثمان بن سعيد الدارمي كتابًا رد به على المريسي سماه " نقض عثمان بن سعيد على الكافر العنيد فيما افترى على الله من التوحيد" من طالع هذا الكتاب بعلم وعدل تبين له ضعف حجة هؤلاء المعطلة، بل بطلانها، وأن هذه التأويلات التي توجد في كلام كثير من المتأخرين كالرازي، والغزالي، وابن عقيل وغيرهم هي بعينها تأويلات بِشْر. وأما استمداد مقالة التعطيل فكان من اليهود والمشركين وضلال الصابئين والفلاسفة. فإن الجعد بن درهم أخذ مقالته على ما قيل من أبان بن سمعان عن طالوت عن لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. ثم إن الجعد كان على ما قيل من أرض حران وفيها خلق كثير من الصابئة والفلاسفة، ولا ريب أن للبيئة تأثيرًا قويًا في عقيدة الإنسان وأخلاقه. وكان مذهب النفاة من هؤلاء أن الله ليس له صفات ثبوتية، لأن ثبوت الصفات يقتضي على زعمهم أن الله مشابه لخلقه، وإنما يثبتون له صفات سلبية، أو إضافية، أو مركبة منهما. فالسلبية: ما كان مدلولها عدم أمر لا يليق بالله عز وجل مثل قولهم: (إن الله واحد) بمعنى أنه مسلوب عنه القسمة بالكَم، أو القول ومسلوب عنه الشريك. والإضافية: هي التي لا يوصف الله بها على أنها صفة ثابتة له، ولكن يوصف بها باعتبار إضافتها إلى الغير كقولهم عن الله تعالى: "إنه مبدأ وعلة" فهو مبدأ وعلة، باعتبار أن الأشياء صدرت منه لا باعتبار صفة ثابتة له هي البداء والعلية. والمركبة منهما هي: التي تكون سلبية باعتبار، وإضافية باعتبار، كقولهم عن الله تعالى: "إنه أول" فهي سلبية باعتبار أنه مسلوب عنه الحدوث إضافية باعتبار أن الأشياء بعده. فإذا كان هذا هو ما تستمد منه طريقة النفاة فكيف تطيب نفس مؤمن أو عاقل أن يأخذ به ويترك سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين؟.
|